الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - القاضي : لو لم يكن إياه لكان ضدا أو مثلا ، أو خلافا .

            لأنهما إما أن يتساويا في صفات النفس أو لا .

            الثاني : إما أن يتنافيا بأنفسهما أو لا .

            فلو كانا مثلين أو ضدين لم يجتمعا .

            ولو كانا خلافين لجاز أحدهما مع ضد الآخر وخلافه ؛ لأنه حكم الخلافين .

            ويستحيل الأمر مع ضد النهي عن ضده ، وهو الأمر بضده ; لأنهما نقيضان .

            أو تكليف بغير الممكن .

            وأجيب : إن أراد بطلب ترك ضده طلب الكف منع [ ص: 54 ] لازمهما عنده ، فقد يتلازم الخلافان ، فيستحيل ذلك .

            وقد يكون كل منهما ضد ضد الآخر ؛ كالظن والشك ، فإنهما معا ضد العلم .

            وإن أراد بترك ضده عين الفعل المأمور به رجع النزاع لفظيا في تسميته تركا ، ثم في تسمية طلبه نهيا .

            القاضي أيضا : السكون عين ترك الحركة ، فطلب السكون طلب ترك الحركة .

            وأجيب بما تقدم .

            التالي السابق


            ش - احتج القاضي على أن الأمر بالشيء نهي عن ضده بوجهين :

            الأول - لو لم يكن الأمر بالشيء عين النهي عن ضده لكان إما ضدا له أو مثلا له أو خلافا له .

            والتالي باطل .

            أما الملازمة فالانحصاره في الثلاثة على تقدير أن يكون [ ص: 55 ] غيره ; لأنه حينئذ إما أن يكون مساويا ( له ) في صفات نفس الماهية ، أي في تمام ذاتياته أو لا .

            والأول هما المثلان ، كزيد وخالد .

            والثاني إما يتنافيا لذاتيهما أو لا .

            والأول هما الضدان ، ويندرج فيه النقيضان ، كالإنسان واللا إنسان ; والعدم والملكة كالعمى والبصر ، والضدان الوجوديان اللذان يكون بينهما غاية الخلاف ، كالسواد والبياض .

            والثاني هما الخلافان ، كالحركة والسواد .

            وأما بيان بطلان التالي - فلأن الأمر بالشيء والنهي عن ضده لو كانا مثلين أو ضدين لم يجتمعا ، ضرورة امتناع اجتماع الضدين والمثلين ، لكن الأمر بالشيء والنهي عن ضده يجتمعان ، فلا يكون الأمر بالشيء والنهي عن ضده مثلين ولا ضدين .

            ولو كانا خلافين لجاز وجود أحدهما مع ضد الآخر ، ومع خلاف الآخر ، لأن حكم الخلافين جواز اجتماع كل منهما مع ضد الآخر ومع خلاف الآخر ؛ كالعلم والإرادة ، فإنهما خلافان ، وجاز وجود العلم مع الكراهة التي هي ضد الإرادة والمحبة التي هي خلافها .

            [ ص: 56 ] وجاز وجود الإرادة مع الجهل الذي هو ضد العلم ، ومع السخاوة التي هي خلاف العلم .

            لكن يستحيل اجتماع الأمر بالشيء مع ضد النهي عن الضد ; لأن الأمر بالضد ضد النهي عن الضد ، ويمتنع اجتماع الأمر بالشيء مع الأمر بضده ، وإلا لزم الأمر بالنقيضين ؛ إن كان الضدان نقيضين ، أو الأمر بالمتنافيين ؛ إن لم يكن الضدان نقيضين .

            وهذا تكليف ما لا يطاق .

            فلا يكون الأمر بالشيء والنهي عن ضده خلافين .

            وإذا بطل الأقسام الثلاثة بطل التالي .

            أجاب المصنف بأنه إن أراد القاضي بطلب ترك الضد الذي هو معنى النهي عن الضد - طلب الكف عن الضد ( يختار ) أنهما خلافان .

            ويمنع عند ذلك التقدير ما جعل القاضي لازم الخلافين ؛ وهو جواز اجتماع الخلاف مع ضد الخلاف ومع خلاف الخلاف .

            وذلك لأنه قد يتلازم الخلافان ، كالعلة ومعلولها المساوي لها فيستحيل جواز اجتماع أحدهما مع ضد الآخر ، وإلا يلزم اجتماع [ ص: 57 ] الضدين ؛ لأن أحدهما لا ينفك عن الآخر . فكلما يصدق أحدهما يصدق الآخر .

            وأيضا : قد يكون ضد أحد الخلافين ضد الخلاف الآخر ، كالظن والشك فإنهما خلافان ، وكل منهما ضد للعلم ، فيكون كل منهما ضد الآخر .

            وهذا المثال غير صحيح ; لأن الظن والشك ضدان على الوجه الذي فسر به المصنف الضدين .

            والمثال الصحيح : هو الضاحك والكاتب ; فإنهما خلافان على الوجه الذي فسر ، وكل منهما ضد للصاهل .

            وإن أراد بطلب ترك ضده طلب عين الفعل المأمور به - كان النهي عن الضد عين الأمر بالشيء ، فلا يبقى نزاع في المعنى ، بل رجع التنازع لفظيا في تسمية الفعل بترك الضد ، ثم في تسمية طلب ذلك الفعل نهيا .

            قيل : لقائل أن يقول : أراد به المنع من ترك الفعل المأمور به ، وهو جزء الطلب الجازم .

            ويمكن أن يجاب بأن مدعى القاضي في هذا المقام أن النهي عن الضد هو عين الأمر بالشيء ، لا جزؤه .

            [ ص: 58 ] الوجه الثاني : أن السكون عين ترك الحركة ; فطلب السكون الذي هو الأمر بالسكون هو بعينه طلب ترك الحركة الذي هو النهي عن ضد السكون .

            أجاب بما تقدم ؛ وهو أن يكون النزاع حينئذ لفظيا .




            الخدمات العلمية