الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - وأما حده ; فعلى التواطؤ : ما دل على مخالفة بإلا ، غير الصفة وأخواتها وعلى الاشتراك والمجاز لا يجتمعان في حد .

            فيقال في المنقطع : ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها من غير إخراج .

            وأما المتصل - فقال الغزالي - رحمه الله - : قول ذو صيغ مخصوصة محصورة ، دال على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول .

            وأورد على طرده التخصيص بالشرط والوصف بـ " الذي " ، والغاية ، ومثل قام القوم ولم يقم زيد .

            ولا يرد الأولان .

            وعلى عكسه : جاء القوم إلا زيدا ; فإنه ليس بذي صيغ .

            [ ص: 252 ] وقيل : لفظ متصل بجملة ، لا يستقل بنفسه ، دال على ( أن ) مدلوله غير مراد بما اتصل به ، ليس بشرط ولا صفة ولا غاية .

            وأورد على طرده : قام القوم ، لا زيد .

            وعلى عكسه ما جاء إلا زيد ; فإنه لم يتصل ( بجملة وأن مدلول كل استثناء متصل ) مراد بالأول .

            والاحتراز من الشرط والصفة وهم .

            والأولى : إخراج بإلا وأخواتها .

            التالي السابق


            ش - حد الاستثناء - بناء على القول بكونه متواطئا - : ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها . نحو : ليس ، ولا يكون ، وعدا ، وخلا ، وما خلا ، وما عدا ، وحاشا ، وسوى ، وغير .

            واحترز بقوله : إلا وأخواتها عما دل على مخالفة لا بها نحو : جاءني القوم ولم يجئ زيد ، وقام زيد لا عمرو .

            وإنما قيد إلا بكونها غير الصفة احترازا عن إلا التي هي بمعنى الصفة ، وهي ما كانت تابعة لجمع لا يدخل فيه المستثنى ، نحو قوله [ ص: 253 ] تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله .

            وأما قول من يقول بالاشتراك أو المجاز ، فلا يمكن الجمع بين المتصل والمنقطع في حد واحد من حيث المعنى ; لأن الحقيقتين المختلفتين لا يمكن الجمع بينهما في حد واحد ويمكن الجمع بينهما بحد واحد بحسب اللفظ ، بأن يقال : المذكور بعد إلا وأخواتها - .

            وإذا امتنع الجمع بينهما في حد واحد بحسب المعنى احتاج كل إلى حد .

            فيقال في حد الاستثناء المنقطع : ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة من غير إخراج .

            والقيود المتقدمة قد مر فائدتها .

            وقوله : " من غير إخراج " إحتراز عن الاستثناء المتصل .

            وأما الاستثناء المتصل فقد قال الغزالي في حده : إنه قول ذو صيغ مخصوصة محصورة ، دال على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول .

            فقوله : " قول " أي كلمات تدل على ذلك .

            [ ص: 254 ] قوله : " ذو صيغ " فإن الصيغ لا تكون لكلمة واحدة ، واحترز به عن التخصيص بالفعل والعقل وقرينة الحال .

            وقوله : " مخصوصة " احترز به عن كلمات لا تكون لها تلك الصيغ .

            والمراد بالصيغ المخصوصة : أدوات الاستثناء .

            ومعنى قوله : " محصورة " معدودة ، قليلة .

            وقوله : " دال " إلخ إشارة إلى غاية أدوات الاستثناء ، ويكون تقدير الكلام هكذا :

            أدوات الاستثناء ، كلمات ذوات صيغ مخصوصة معدودة دالة على أن ما ذكر بعدها بواسطتها لا يكون مرادا من الأقوال المتقدمة .

            وقد أورد على طرد هذا التعريف : التخصيص بالشرط .

            مثل قولهم : أكرم الناس إن كانوا عالمين .

            وبالوصف بـ الذي ، والتي ، واللذين ، واللتين ، والذين ، واللاتي ، والغاية .

            ومثل : قام القوم ولم يقم زيد .

            [ ص: 255 ] لأن هذه الألفاظ صيغ مخصوصة محصورة دالة على أن ما يذكر بعدها غير مراد من الألفاظ السابقة .

            وإنما قيد الوصف بـ " الذي " ; لأن الوصف بغيره لا يدخل تحت الحد ; لأنه لم يذكر بعده شيء .

            بخلاف الوصف بـ " الذي " فإنه يذكر بعده الصلة .

            والمصنف منع ورود الأولين ، أعني التخصيص بالشرط والوصف ؛ لأنهما لا يدلان على أن المذكور بهما لم يرد بالقول السابق .

            وعلى الوجه الذي قررنا كلام حجة الإسلام لا يرد الأخير أيضا ; لأن المراد بالصيغ المخصوصة أدوات الاستثناء .

            والغاية ومثل : قام القوم ولم يقم زيد لا يكون مذكورا بأدوات الاستثناء .

            ، وأورد على عكس هذا الحد مثل : جاء القوم إلا زيدا ، فإنه ليس بذي صيغ مع كونه استثناء .

            وعلى الوجه الذي قررنا يندفع هذا أيضا ; لأنه ذكر تعريف أدوات الاستثناء ، لا تعريف واحد منها . فلا يلزم صدق التعريف على كل واحد منها .

            [ ص: 256 ] وقيل في تعريف الاستثناء المتصل : إنه لفظ متصل بجملة ، لا يستقل بنفسه ، دال على أن مدلوله غير مراد بما اتصل به ، ليس بشرط ، ولا صفة ولا غاية .

            فقوله : " لفظ " احتراز عن التخصيص بالفعل والعقل وقرينة الحال .

            وقوله : " متصل بجملة " احترز به عن المخصصات المنفصلة .

            وقوله : " لا يستقل بنفسه " احتراز عن مثل قولنا : قام القوم ولم يقم زيد ; فإن قولنا : لم يقم ، لفظ متصل بجملة ، ولكن يستقل بنفسه .

            وقوله : " دال " احتراز عن المهملات .

            وقوله : " على أن مدلوله غير مراد " أي على أن مدلول المستثنى غير مراد بما اتصل الاستثناء به .

            واحترز به عن التأكيد ، نحو جاءني القوم كلهم .

            وقوله : " ليس بشرط ولا صفة ولا غاية " احتراز عنها .

            وأورد على طرد هذا التعريف : جاء القوم لا زيد ; فإنه يصدق عليه التعريف المذكور ، مع أنه ليس باستثناء .

            [ ص: 257 ] وأورد على عكسه مثل : ما جاء إلا زيد ; فإنه استثناء متصل ، ولا يصدق عليه التعريف ; لأنه لم يتصل بجملة .

            وأورد أيضا على عكسه أن مدلول كل استثناء متصل مراد بالأول على المذهب الصحيح .

            وأيضا : الاحتراز عن الصفة والشرط وهم ; لأنه قد خرجا بقوله : " غير مراد " فلم يحتج إلى ذكرهما .

            ثم قال المصنف : والأولى أن يقال في تعريف الاستثناء المتصل : إنه إخراج بإلا أو إحدى أخواتها .




            الخدمات العلمية