الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - التضمن : أمر الإيجاب طلب فعل يذم على تركه اتفاقا ، ولا يذم إلا على فعل ، وهو الكف أو الضد . فيستلزم النهي .

            أجيب بأنه مبني على أنه من ( معقوله ، لا بدليل خارجي .

            وإن سلم فالذم على أنه ) لم يفعل ، لا على فعل .

            وإن سلم فالنهي طلب كف عن فعل ، لا عن كف ، وإلا أدى إلى وجوب تصور الكف عن الكف لكل آمر . وهو باطل قطعا .

            قالوا : لا يتم الواجب إلا بترك ضده ؛ وهو الكف عن ضده أو نفيه ، فيكون مطلوبا ، وهو معنى النهي .

            وقد تقدم .

            [ ص: 59 ]

            التالي السابق


            ش - القائلون بأن الأمر بالشيء يتضمن النهي عن ضده احتجوا بوجهين :

            الأول - أن أمر الإيجاب هو طلب فعل يلام على تركه اتفاقا .

            ولا يذم إلا على فعل ، لأن العدم المستمر غير مقدور ، وغير المقدور لا يذم عليه .

            فالفعل الذي يذم عليه في أمر الإيجاب هو الكف أو فعل ضد المأمور به ; فيكون الكف أو فعل ضد المأمور به منهيا عنه . فيكون أمر الإيجاب مستلزما للنهي عن الكف أو فعل ضد المأمور به .

            أجاب بأن هذا الدليل مبني على أن الذم على ترك فعل المأمور به من معقول الأمر على معنى أن الأمر يدل على الذم عقلا ، لا أنه يعلم الذم على ترك فعل المأمور به بدليل خارجي .

            وهو ممنوع ; إذ العلم بالذم على الترك مستفاد من دليل خارجي . ولهذا جوز بعض الأصوليين الإيجاب بدون الذم . ولو كان الذم من معقول الإيجاب لما تمكن من تجويزه .

            ولئن سلم أن الذم على الترك من معقول الأمر ، لكن لا نسلم أن الذم إنما يكون على الفعل ; فإنه يجوز أن يكون الذم على أنه لم يفعل ، لا على فعل .

            [ ص: 60 ] قوله : العدم غير مقدور .

            قلنا : ممنوع .

            ولئن سلم أن الذم على الفعل ، فلا يكون الكف منهيا عنه ; لأن النهي هو طلب كف عن فعل ، لا طلب كف عن كف ، وإلا أدى إلى وجوب تصور الكف عن الكف لكل آمر ، لأن الأمر بالشيء يستلزم تصور النهي عن الكف الذي هو طلب الكف عن الكف .

            وهو باطل قطعا ; لأنا نعلم أن الآمر لا يتصور الكف عن الكف حين يأمر .

            وإذا لم يكن النهي طلب كف عن كف لم يكن الكف الذي ذم عليه منهيا عنه ، فلا يستلزم الأمر بالشيء النهي عن الكف ولا عن الضد .

            الثاني - أن الأمر بالشيء يستلزم كون المأمور به واجبا ، والواجب لا يتم إلا بترك الضد .

            وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب : فترك الضد واجب [ ص: 61 ] وترك الضد الكف عنه أو نفيه . فيكون الكف عن ضد المأمور به أو نفيه مطلوبا فيكون ضد المأمور به منهيا عنه ; لأن معنى النهي طلب الكف عن الضد أو طلب نفيه . فيكون الأمر بالشيء مستلزما للنهي عن ضده .

            وقد تقدم جوابه ; وهو أنه ليس كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، بل ما لا يتم الواجب إلا به إذا كان شرطا شرعيا كان واجبا . وترك الضد لا يكون شرطا شرعيا . فلا يلزم من وجوب الشيء وجوبه .




            الخدمات العلمية