الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - لنا ثبوت الاستدلال ( بمطلقها ) على الوجوب شائعا متكررا من غير نكير ، كالعمل بالأخبار .

            واعترض بأنه ظن .

            وأجيب بالمنع .

            [ ص: 22 ] ولو سلم فيكفي الظهور في مدلول اللفظ ، وإلا لتعذر العمل بأكثر الظواهر .

            وأيضا ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك والمراد قوله : اسجدوا .

            وأيضا : وإذا قيل لهم اركعوا ذم على مخالفة أمره .

            وأيضا : تارك المأمور به عاص ، بدليل أفعصيت أمري .

            وأيضا : فليحذر الذين يخالفون عن أمره .

            [ ص: 23 ] والتهديد دليل الوجوب .

            واعترض بأن المخالفة حملت على مخالفة من إيجاب وندب .

            وهو بعيد .

            قولهم : مطلق .

            قلنا : بل عام .

            وأيضا : نقطع بأن السيد إذا قال لعبده : خط هذا الثوب ولو بكتابة أو إشارة ، فلم يفعل عد عاصيا .

            التالي السابق


            ش - احتج المصنف على المذهب الأول بالإجماع والكتاب والعرف .

            أما الإجماع ؛ فلأن الصحابة استدلوا بمطلق صيغة " افعل " بدون قرينة على الوجوب ، وشاع هذا الاستدلال وذاع ، ولم ينكر عليه أحد ، فيكون إجماعا على أن مطلق صيغة " افعل " للوجوب ، كالعمل بالأخبار ، فإنه لما اشتهر بين الصحابة العمل بها ، كان إجماعا .

            وقد اعترض على هذا الدليل بأنه لا يفيد إلا ظنا ، والظن [ ص: 24 ] لا يعتد به في أمثال هذه المسائل .

            أجاب بأنا لا نسلم أنه لا يفيد إلا ظنا ، بل يفيد القطع ؛ لأن الإجماع قطعي .

            ولئن سلم أنه لا يفيد إلا ظنا ، لكن لا نسلم أن الظن لا يكفي في مدلولات الألفاظ بل يكفي في مدلول اللفظ ظهور كونه مدلولا له ، وإلا لتعذر العمل ( بأكثر الظواهر ) من الآيات والأخبار .

            وأما الكتاب ، فمنه قوله تعالى لإبليس : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك .

            والمراد بقوله : إذ أمرتك ما خاطب به الملائكة ، وهو قوله تعالى : اسجدوا .

            ووجه التمسك بهذه الآية أنه تعالى لما أمر الملائكة وإبليس بالسجود لآدم ، وترك إبليس المأمور به ، ذمه على ترك المأمور به ، إذ ليس المراد من قوله " ما منعك " الاستفهام بالاتفاق ، فيكون للذم . فيلزم أن يكون الأمر للوجوب ، وإلا لما ذمه على ترك السجود .

            ومنه قوله تعالى : وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون .

            [ ص: 25 ] ذم على مخالفة أمره التي هي ترك الركوع .

            فلو لم يكن الأمر للوجوب لما ذمهم على مخالفته .

            ومنه أن تارك الأمر عاص ; لقوله تعالى : أفعصيت أمري . والعاصي يستحق النار " لقوله تعالى ; ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم فيكون الأمر للوجوب ، وإلا لما كان تاركه مستحقا للنار .

            ومنه قوله تعالى : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة . هدد على مخالفة الأمر . فيكون الأمر للوجوب ، وإلا لما حسن التهديد على مخالفته .

            واعترض على هذا الدليل بأن المخالفة لا يحمل على ترك المأمور به بل يحمل على مخالفته من وجوب وندب ، أي يحمل مخالفة الأمر على خلاف ما هو عليه بأن كان للوجوب فيحمل على الندب ، وبالعكس .

            أجاب بأن حمل المخالفة على مخالفته من وجوب أو ندب بعيد ; لأن حمل المخالفة على ترك المأمور به ظاهر ، فيكون راجحا ، وحمل ( اللفظ على ) المرجوح مع وجود الراجح بعيد .

            [ ص: 26 ] واعترض أيضا بأنا لا نسلم أنه يدل على أن جميع الأوامر للوجوب ، لأن الأمر في قوله تعالى عن أمره مطلق ; لكونه مفردا ، والمطلق لا يفيد العموم .

            أجاب بأنه عام بدليل صحة الاستثناء .

            وأيضا رتب الأمر بالحذر على مخالفة الأمر التي هي الوصف المناسب ، فحيث وجدت مخالفة الأمر وجد الأمر بالحذر ، فيكون عاما .

            - وأما العرف فلأنا نقطع أن السيد إذا قال لعبده : خط هذا الثوب ، ولو كان الأمر بالخياطة بكتابة أو إشارة ، فلم يفعل العبد - عد عاصيا .

            فلو لم يكن الأمر للوجوب لما عد عاصيا بترك المأمور به .




            الخدمات العلمية