الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - وقد اختلف في تقدير الدلالة في الاستثناء .

            فالأكثر : المراد بـ ( عشرة ) في قولك : " عشرة إلا ثلاثة " سبعة و " إلا " قرينة لذلك ، كالتخصيص بغيره .

            وقال القاضي : عشرة إلا ثلاثة بإزاء سبعة ، كاسمين مركب ومفرد .

            وقيل : المراد بـ ( عشرة ) : عشرة باعتبار الأفراد ، ثم أخرجت ثلاثة .

            والإسناد بعد الإخراج ، فلم يسند إلا إلى سبعة .

            وهو الصحيح .

            لنا : أن الأول غير مستقيم للقطع بأن من قال : اشتريت [ ص: 258 ] الجارية إلا نصفها ، أو نحوه ، لم يرد استثناء نصفها ( من نصفها ) .

            ولأنه ( كان ) يتسلسل .

            ولأنا نقطع بأن الضمير للجارية بكمالها .

            ولإجماع العربية على أنه إخراج بعض من كل .

            ولإبطال النصوص .

            وللعلم بأنا نسقط الخارج ، فيعلم أن المسند إليه ما بقي .

            والثاني كذلك للعلم بأنه خارج عن قانون اللغة ; إذ لا تركيب من ثلاثة ، ولا يعرب الأول وهو غير مضاف .

            ولامتناع إعادة الضمير على جزء الاسم في " إلا نصفها " .

            ولإجماع العربية إلى آخره .

            التالي السابق


            ش - اختلف في تقدير الدلالة في الاستثناء على ما هو المقصود .

            فذهب الأكثر لها أن الاستثناء بين أن مراد المتكلم بالمستثنى [ ص: 259 ] منه ما بقي ، فالمراد بـ ( عشرة ) في قولك : عشرة إلا ثلاثة ، : سبعة ، و " إلا " قرينة مبينة لذلك ، كالتخصيص بغير الاستثناء ; فإن المخصص قرينة مبينة لمراد المتكلم بالعام .

            وقال القاضي أبو بكر : المستثنى والمستثنى منه وآلة الاستثناء جميعا موضوع لمعنى واحد ، وهو : ما يفهم آخرا . حتى كأن العرب وضعوا بإزاء معنى السبعة اسمين : مركبا ومفردا . فالمركب هو : عشرة إلا ثلاثة ، والمفرد هو : سبعة .

            وقيل : المراد بالمستثنى منه : الجميع ؛ باعتبار الأفراد من غير حكم بالإسناد ، ثم أخرج منه المستثنى ، وحكم بالإسناد بعد إخراج المستثنى من المستثنى منه . فلم يسند إلا إلى ما بقي بعد الإخراج .

            ( مثلا قولنا : له علي عشرة إلا ثلاثة ؛ يكون المراد بالعشرة من حيث الأفراد : مجموع آحادها ، ثم أخرج منها ثلاث ، وأسند بعد الإخراج ) فعلم أن المسند إليه سبعة .

            وهذا المذهب هو الصحيح عند المصنف .

            واحتج على عدم استقامة المذهب الأول بستة أوجه :

            الأول - أنه لو كان المراد بالمستثنى منه هو الباقي بعد [ ص: 260 ] الاستثناء - لزم أن يراد استثناء نصف الجارية من نصفها في مثل قول القائل : اشتريت الجارية إلا نصفها .

            والتالي باطل ; لأنا نقطع بأن من قال : اشتريت الجارية إلا نصفها لم يرد استثناء نصفها من نصفها .

            بيان الملازمة : أنه لو كان المراد بالمستثنى منه هو الباقي بعد الاستثناء لكان المراد بالجارية نصفها في المثال المذكور ، وقد استثنى عنه نصفها ، فيلزم استثناء نصفها من نصفها .

            ولقائل أن يقول : الاشتراء وقع على الجارية كلها بحسب الظاهر ، فاستثنى مما وقع عليه الاشتراء بحسب الظاهر لتبين أن المراد بالجارية نصفها ، فلم يلزم منه استثناء النصف من النصف .

            الثاني - أنه لو كان مراد المتكلم بالمستثنى منه : ما بقي بعد الاستثناء لزم التسلسل .

            والتالي ظاهر الفساد .

            بيان الملازمة : أن المراد بالجارية مثلا ، إذا كان نصفها ، وقد أخرج الاستثناء من المستثنى منه نصفه ، فيكون نصف النصف مخرجا بالاستثناء ، فيكون المراد بالنصف الذي هو المستثنى منه - نصف النصف ، لأنه الباقي بحد استثناء النصف عنه ، وقد أخرج [ ص: 261 ] عن المستثنى منه الذي هو نصف النصف ، وهلم جرا ، ويلزم التسلسل .

            ولقائل أن يقول : لا يلزم التسلسل ؛ لأن الاستثناء بين أن المراد بالمستثنى منه الذي هو الكل بحسب الظاهر النصف ، فلم يحتج إلى تقدير لأنه قد استثنى النصف عن المستثنى منه بحسب الظاهر .

            الثالث : أنه لو كان المراد بالمستثنى منه الباقي بعد الاستثناء يلزم أن يكون الضمير الذي أضيف إليه النصف راجعا إلى النصف ; لأن الضمير راجع إلى المستثنى منه ، وهو النصف حينئذ .

            والتالي باطل ; لأن الضمير راجع إلى الجارية بكمالها .

            ولقائل أن يقول : لا نسلم رجوع الضمير إلى النصف ; لجواز أن يكون المرجوع إليه هو اللفظ .

            كما إذا أطلق لفظ ( شخص ) في ( جاء شخص ) وأريد به امرأة فإنه لا يجب تأنيث الضمير اعتبارا باللفظ المطلق .

            ويمكن أن يجاب عنه بأنه لو كان الضمير عائدا إلى اللفظ يلزم أن يكون المراد نصف اللفظ .

            الرابع - لو كان المستثنى منه هو الباقي بعد الاستثناء لم يكن الاستثناء في قولنا : اشتريت الجارية إلا نصفها إخراج بعض من كل .

            [ ص: 262 ] والتالي باطل ; لإجماع أهل العربية على أنه إخراج بعض من كل .

            ولقائل أن يمنع الملازمة ; فإنه يجوز أن يكون مراد المتكلم النصف ، ويكون الاستثناء إخراج النصف من الكل بحسب الظاهر ، ولا منافاة بينهما .

            الخامس - لو كان المراد بالمستثنى منه هو الباقي بعد الاستثناء يلزم بطلان النصوص .

            والتالي ظاهر الفساد .

            بيان الملازمة : أن " العشرة " نص في مدلولها ، فلو أريد بها سبعة لزم بطلان النص .

            ولقائل أن يقول : النص هو اللفظ الذي لم يحتمل إلا معنى واحدا عند عدم القرينة ، والعشرة إذا لم يعتبر معها قرينة الاستثناء كان كذلك .

            السادس - إنا نعلم قطعا أنا نسقط الخارج ؛ أي المستثنى من المستثنى منه ، فيعلم بعد إسقاطه أن المسند إليه ما بقي بعد الاستثناء .

            فلو كان المراد بالمستثنى منه : هو الباقي لم يكن الإسقاط موجبا للعلم بكون الباقي مسندا إليه ; لأن إسقاط الخارج متوقف على حصول خارج .

            [ ص: 263 ] وعلى تقدير من يرى أن يكون المستثنى منه هو الباقي ، لم يحصل خارج .

            ولقائل أن يقول : لا نسلم أنه على تقدير أن يكون المراد بالمستثنى منه الباقي ، لم يحصل خارج ; لجواز أن يكون إسقاط الخارج بحسب ظاهر المستثنى منه ، لا بحسب ما هو مراد المتكلم منه .

            واحتج على عدم استقامة المذهب الثاني بوجوه :

            الأول - أنا نعلم قطعا أنه خروج عن قانون اللغة ; إذ لم يتركب كلمة واحدة من ثلاث كلمات ( في لغة العرب ، وهذا المذهب يفضي إلى تركيب كلمة واحدة من ثلاث وأكثر .

            الثاني - أنه لم يعهد وضع مركب من كلمات ) أولها معرب ، وهو غير مضاف ، وهذا يفضي إلى ذلك .

            الثالث - أنه لو كان كذلك لكان الضمير في " إلا نصفها " عائدا إلى جزء الاسم .

            والتالي باطل ; لامتناع عود الضمير إلى جزء الاسم .

            الرابع - أنه لو كان كذلك لما كان الاستثناء المتصل إخراجا .

            وهو خلاف إجماع أهل العربية .




            الخدمات العلمية