الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - ثم المفهوم مفهوم موافقة ومفهوم مخالفة .

            [ ص: 437 ] فالأول أن يكون السكوت موافقا في الحكم ، ويسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب ؛ كتحريم الضرب من قوله تعالى : ( فلا تقل لهما أف ) [ ص: 438 ] وكالجزاء بما فوق المثقال من قوله تعالى : فمن يعمل [ ص: 439 ] وكتأدية ما دون القنطار من : ( يؤده إليك ) وعدم الآخر من ( لا يؤده إليك ) .

            وهو تنبيه بالأدنى فلذلك كان في غيره أولى .

            ويعرف بمعرفة المعنى وأنه أشد مناسبة في المسكوت ، ومن ثم قال قوم : هو قياس جلي .

            لنا : القطع بذلك لغة قبل شرع القياس .

            وأيضا : فأصل هذا قد يندرج في الفرع ؛ مثل : لا تعطه ذرة [ ص: 440 ] [ فإنها مندرجة في الذرتين ] .

            قالوا : لولا المعنى لما حكم .

            وأجيب بأنه شرط لغة ، ومن ثم قال به النافي للقياس ، ويكون قطعيا ، كالأمثلة .

            وظنيا ، كقول الشافعي - رحمه الله - في كفارة العمد واليمين الغموس .

            التالي السابق


            ش - لما فرغ من المنطوق شرع في المفهوم .

            وهو ينقسم إلى مفهوم موافقة وإلى مفهوم مخالفة .

            فالأول ، أي مفهوم الموافقة : أن يكون المسكوت موافقا للمنطوق في الحكم ، ويسمى فحوى الخطاب ولحن الخطاب ، أي معناه .

            مثال مفهوم الموافقة : تحريم الضرب من قوله تعالى : فلا تقل لهما أف فإن حكم المفهوم من اللفظ في محل السكوت موافق لحكم المفهوم منه في محل النطق .

            [ ص: 441 ] وكفهم الجزاء بما فوق المثقال من قوله تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره .

            وكفهم تأدية ما دون القنطار من قوله تعالى : ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك .

            وكفهم عدم تأدية ما زاد على الدينار من قوله تعالى : ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك .

            والقنطار : المعيار ، ونقل عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أنه قال : هو ألف ومائتي أوقية ، ويقال : هو مائة وعشرون رطلا ، ويقال : ملء مسك الثور ذهبا ، والمسك ، بالفتح : الجلد .

            والمثال الثالث من قبيل التنبيه بالأعلى على الأدنى ، وباقي الأمثلة من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى .

            ( فذلك ، أي فلأجل أن دلالة الملفوظ على المفهوم هو التنبيه بالأعلى على الأدنى ) أو بالعكس ، كان الحكم في غير الملفوظ - أي المسكوت - أولى من الحكم في الملفوظ .

            ويعرف الحكم في محل السكوت بمعرفة المقصود من الحكم في محل النطق .

            وأن ذلك المعنى أشد مناسبة للحكم في محل السكوت .

            [ ص: 442 ] ومن ثم - أي ومن أجل توقف معرفة الحكم في محل السكوت على معرفة المعنى في محل النطق ، وكونه أشد مناسبة للحكم في محل السكوت - قال قوم : هو قياس جلي .

            واحتج المصنف على أنه ليس بقياس بوجهين :

            أحدهما - أنا نقطع بفهم المعنى في محل السكوت لغة قبل شرع القياس ، فلا يكون قياسا .

            الثاني - أنه لو كان قياسا لم يندرج أصل هذا تحت الفرع .

            والتالي باطل .

            أما الملازمة فظاهرة .

            وأما انتفاء التالي فلأن أصل هذا قد يندرج في الفرع ؛ مثل قول القائل : لا تعط ذرة ، فإنه يفهم منه منع إعطاء ما فوق ذرة ، والذرة مندرجة فيما فوقها .

            القائلون بكونه قياسا ، قالوا : لولا المعنى المشترك بين المفهوم والمنطوق لما ثبت حكم المفهوم . ولا معنى للقياس إلا ذلك .

            أجاب بأن وجود المعنى المشترك شرط لدلالة الملفوظ على حكم المفهوم من حيث اللغة ، ولا يلزم منه أن يكون قياسا ; لأن القياس دل على حكم الفرع من حيث المعقول ، لا من حيث اللفظ .

            [ ص: 443 ] ومن ثم - أي ومن أجل أنه ليس بقياس - قال به النافي للقياس .

            ومفهوم الموافقة ينقسم إلى ما يكون قطعيا ، وإلى ما يكون ظنيا .

            والقطعي : ما لا يتطرق إليه إنكار ؛ مثل الأمثلة المذكورة ، والظني بخلافه ؛ كقول الشافعي في كفارة قتل العمد : فإن الله تعالى أوجب الكفارة في قتل الخطأ بقوله : " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة " فإن هذا وإن دل على وجوب الكفارة في العمد ; لأنه الأولى بالمؤاخذة ، إلا أنها ليست بقطعية ; لأنا نقطع بأن وجوب الكفارة في الخطأ معلل بالمؤاخذة ; لجواز أن يكون وجوب الكفارة على الخاطئ إنما هو لأجل أن يكفر ذنبه ، وحينئذ لا يلزم وجوب الكفارة في العمد ; لأن العمد فوق الخطأ ، ولا يلزم من كون الكفارة رافعة لإثم أدق كونها رافعة للإثم الأعلى .

            وكذلك قول الشافعي في كفارة اليمين الغموس : وهو أن يحلف على الماضي كاذبا ، مع علمه بالحال ؛ كقوله : والله لا أكلت ، مع علمه بالأكل .

            وإنما سميت بالغموس لأنها تغمس صاحبها في الإثم .

            وإنما أوجب الشافعي الكفارة فيها نظرا إلى أنها أولى بالكفارة من غير الغموس .

            [ ص: 444 ]



            الخدمات العلمية