الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - قالوا : إذا قال : اقتل زيدا ثم قال : لا تقتل المشركين ، فكأنه قال : لا تقتل زيدا ؛ فالثاني ناسخ .

            قلنا : التخصيص أولى لأنه أغلب ، ولا رفع فيه لو تأخر الخاص .

            قالوا : على خلاف قوله : ( لتبين )

            قلنا : ( تبيانا لكل شيء ) .

            والحق أنه المبين بالكتاب وبالسنة .

            قالوا : البيان يستدعي التأخر .

            قلنا : استبعاد .

            قالوا : قال ابن عباس - رضي الله عنهما - كنا نأخذ بالأحدث [ ص: 313 ] ( فالأحدث ) .

            قلنا يحمل على غير المخصص جمعا بين الأدلة .

            التالي السابق


            ش - القائلون بأن العام المتأخر لا يخصص بالخاص المتقدم ، احتجوا بأربعة وجوه :

            الأول - أن العام المتأخر بمنزلة التنصيص على الأفراد ; لأنه إذا قال : اقتل زيدا المشرك ، ثم قال : لا تقتل المشركين ، فإنه بمنزلة قولنا : لا تقتل زيدا المشرك ولا خالدا المشرك ولا عمرا المشرك ولا شك أن هذا ناسخ لقوله : اقتل زيدا ؛ فكذا ما هو بمنزلته .

            أجاب بأن قوله : لا تقتل المشركين يحتمل التخصيص بخلاف صورة التنصيص على كل واحد من الأفراد ، وإذا احتمل التخصيص واحتمل النسخ فالحمل على التخصيص أولى ; لأن التخصيص أكثر وقوعا من النسخ .

            ولأن التخصيص لا رفع فيه للحكم ، كما لو تأخر الخاص بخلاف النسخ فإن فيه رفعا للحكم .

            ولأن التخصيص لا يبطل العام بالكلية ، والنسخ يبطل العام بالكلية ، والجمع بين الدليلين - ولو بوجه - أولى .

            الثاني - وهو دليل لمن ينفي تخصيص الكتاب بالكتاب مطلقا - أن القول بتخصيص الكتاب بالكتاب على خلاف قوله تعالى : [ ص: 314 ] ( لتبين للناس ) لأنه يدل على أن الرسول - عليه السلام - هو المبين لكل القرآن ، فلو كان الكتاب مخصصا للكتاب يلزم أن يكون المبين غيره . وإذا كان غير الرسول مبينا يلزم أن لا يكون الرسول مبينا ، لامتناع تحصيل الحاصل ، فيلزم المخالفة ، وهو باطل .

            أجاب بالمعارضة فإن قوله تعالى : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) يدل أن القرآن مبين لكل شيء .

            فلو كان القرآن مبينا بغيره يلزم أن لا يكون ذلك الغير مبينا بالقرآن . وإلا يلزم الدور .

            وإذا لم يكن ذلك الغير مبينا بالقرآن يلزم المخالفة .

            ولما كان الجواب بالمعارضة جدليا لم يقتصر المصنف عليه .

            وذكر ما هو الحق وهو أن الرسول - عليه السلام - هو المبين ، لكن بيانه قد يكون بالكتاب وقد يكون بالسنة .

            وكون الرسول - عليه السلام - مبينا لا ينافي كون الكتاب مبينا ، لأن البيان كما يجوز أن ينسب إلى الرسول ، يجوز أن ينسب إلى الكتاب الذي يبين الرسول به .

            الثالث - لو كان الخاص المتقدم مخصصا للعام يلزم أن يكون متأخرا عن العام ; لأن البيان يستدعي تأخيره عن المبين .

            [ ص: 315 ] والتالي باطل ، لأنه خلاف المفروض .

            أجاب بأنا لا نسلم أن البيان يستدعي تأخره عن المبين ، بل غايته أنه يستلزم عدم تأخره ، والاستبعاد لا يوجب عدم الجواز .

            الرابع - أن العام المتأخر أحدث من الخاص المتقدم ، والأخذ بالأحدث واجب لقول ابن عباس : كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث .

            أجاب بأنا نحمل العام الأحدث الذي يجب الأخذ به على غير المخصص ؛ جمعا بين الأدلة ، فإن الدليل المتقدم يستدعي تقديم الخاص المتقدم على العام المتأخر ، وهذا الدليل يستدعي تقديم العام المتأخر ، فيحمل على غير المخصص .




            الخدمات العلمية