الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            ص - الشافعية : العطف يصير المتعدد كالمفرد .

            وأجيب بأن ذلك في المفردات .

            قالوا : لو قال والله لا أكلت ولا شربت ولا ضربت إن شاء الله ، عاد إلى الجميع .

            [ ص: 282 ] وأجيب بأنه شرط ، فإن ألحق به فقياس .

            وإن سلم فالفرق أن الشرط مقدر تقديمه .

            وإن سلم فلقرينة الاتصال ، وهي اليمين على الجميع ، قالوا : لو كرر لكان مستهجنا .

            قلنا عند قرينة الاتصال .

            وإن سلم فللطول مع إمكان إلا كذا في الجميع . قالوا : صالح . فالبعض تحكم ، كالعام .

            قلنا : صلاحيته لا توجب ظهوره فيه ، كالجمع المنكر . قالوا : لو قال : علي خمسة وخمسة إلا ستة - كان للجميع . قلنا مفردات .

            وأيضا للاستقامة .

            التالي السابق


            ش - احتجت الشافعية بخمسة وجوه :

            الأول - أن العطف يصير الأمور المتعددة كالأمر الواحد . وعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة يوجب عدم الاتحاد بين الجمل المعطوف [ ص: 283 ] بعضها على بعض .

            أجاب بأن العطف في المفردات يوجب الاتحاد ، وأما العطف في الجمل فلا يوجب ذلك ، وهذا هو المتنازع فيه .

            الثاني - لو قال : والله لا أكلت ولا شربت ولا ضربت ثم قال بعد الجميع : إن شاء الله - يعود إلى الجميع بالاتفاق ، فكذا في غيره من الصور .

            أجاب بأن قوله : إن شاء الله شرط لا استثناء ، ولا يلزم من عود الشرط إلى الجميع عود الاستثناء إليه .

            وإن ألحق الاستثناء بالشرط لجامع بينهما كان قياسا في اللغة ، وهو غير صحيح .

            وإن سلم جواز القياس في اللغة فالفرق بينهما ثابت ; فإن الشرط ، وإن كان متأخرا لفظا ، فهو مقدم تقديرا ، بخلاف الاستثناء ، فحينئذ يجوز عود الشرط إلى الجميع لتقدمه ولا يجوز عود الاستثناء إلى الجميع لتأخره .

            ولئن سلم عدم الفرق بينهما فلا ينتهض نقضا ; لأنه ها هنا إنما عاد إلى الجميع بقرينة دالة على اتصال الأخيرة بما قبلها ، وتلك القرينة هي اليمين .

            الثالث - أن الجمل المتعاطفة بالواو ، قد يحتاج كل واحد [ ص: 284 ] منها إلى الاستثناء .

            فلو لم يكن الاستثناء عائدا إلى الجميع لما كان تكرر الاستثناء مستهجنا .

            والتالي باطل ؛ لأنه لو كرر الاستثناء لكان مستهجنا ; لأنه لو قيل : إن سرق زيد فاضربه إلا أن يتوب ; أو شرب فاضربه إلا أن يتوب ، أو زنى فاضربه إلا أن يتوب - لكان مستهجنا عند أهل اللغة .

            أجاب بأن تكرر الاستثناء إنما يكون مستهجنا عند وجود قرينة دالة على اتصال الجمل بعضها بالبعض .

            أما عند عدم قرينة اتصالها - فلا نسلم أن التكرر مستهجن .

            ولو سلم أن تكرر الاستثناء مستهجن مطلقا ، سواء وجد قرينة الاتصال أو لم يوجد ، لكن الاستهجان إنما يكون لطول الكلام مع إمكان رعاية الاختصار ، بأن نقول بعد الجمل : إلا كذا في الجميع .

            الرابع - الاستثناء الواقع عقيب الجمل المتعاطفة بالواو يصلح عوده إلى الكل ، كما يصلح عوده إلى البعض ، والعود إلى البعض تحكم ; لأن العود إلى البعض دون بعض ترجيح بلا مرجح ، كالعام .

            [ ص: 285 ] أجاب بأن صلاحية الاستثناء للعود إلى الجميع لا توجب ظهور الاستثناء في العود إلى الكل ، كالجمع المنكر ، فإنه يصلح أن يكون لكل الأفراد ، مع أنه غير ظاهر فيه .

            قيل : لقائل أن يقول : ليس الاستدلال بمجرد الصلوح للكل ، بل به وبتعذر الحمل على البعض . فإنه لما صلح للكل والبعض ، وتعذر الحمل على البعض ، تعين الكل صيانة للدليل عن الإلغاء .

            والفرق بينه وبين الجمع المنكر ظاهر ; فإنه لا تعذر ثمة .

            بل الجواب : منع التحكم عند الحمل على البعض ؛ إذ العود إلى الأخيرة راجح ; لأنه أقرب . والمتقدم وإن كان راجحا بالسبق ، لكن الأقرب أرجح .

            الخامس - لو قال قائل : علي خمسة وخمسة إلا ستة ، يعود الاستثناء إلى الكل بالاتفاق ، فكذا في جميع الصور ، دفعا للاشتراك والمجاز .

            أجاب أولا بأن هذا غير محل النزاع ; لأن الكلام في الاستثناء الواقع بعد جمل متعاطفة بالواو . وها هنا قد وقع الاستثناء بعد المفردات .

            وثانيا - بأنه يعود الاستثناء في هذه الصورة إلى الكل للتعذر ; [ ص: 286 ] فإنه لو حمل على الأخيرة لم يستقم ; لأنه يستلزم الاستغراق ، بخلاف محل النزاع فإنه لم يتعذر العود إلى الأخيرة .




            الخدمات العلمية